الاثنين، 26 مارس 2012

الفصل الثالث عشر: هروب من النيران

في صباح يوم السبت الموعود تمنى عمر لو أان أمه لم تنجبه.. فقد كان في ساحة القرية عندما شاهد ولاء برفقة إحدى زوجات أخوالها.. وما أن شاهدته من البعيد حتى أدارت وجهها عنه بسرعة بعد نظرة فاضت بالإحتقار شعر أثنائها بأن سكيناً إخترق قلبه..

لحظتها أدرك كم يكون صعباً على الانسان أن يزيف نفسه وينكر ذاته مهما كان الهدف نبيلاً والغاية سامية..

فولاء التي شاءت الأقدار ان تعطيها كل سبب لكرهه في اليوم نفسه الذي فتح لها قلبه عن حب جارف كان يجب ان تكون الوحيدة المستثاة في هذا الوضع الشاذ.. وأن تعرف الحقيقة كي يستمد من حبها قوة تدفعه للمضي قدما بثبات الى الأمام.. لكن التعليمات كانت واضحة.. اذ لا يجب ان يعرف أحد أيا كان بالمهمة التي كلف بها.. وقد حذره فارس بأن التضحية قد تكون صعبة وباهظة الثمن.. وها هو يلمس كم هو صعب أن يرى فجاعة صدمتها به في عيونها التي ترجمتها الى نظرات إحتقار مؤلمة جعلته يفر منها الى رام الله حيث كان يجب ان يذهب في المساء للقاء الفتاة القادمة من تل ابيب والتي ظل شعبان يذكره بان لا ينسى موعد اللقاء معها طوال اليوم السابق.

لكن شعبان فوجيء في مساء ذلك اليوم وهو يرى عمر يترجل من سيارة قرب بيته المقابل للشرفة التي كان يجلس فيها، فنهض من مكانه وهو ينادي عليه بصوت مرتفع  ويلوح له بيده داعياً إياه للقدوم اليه، وما أن أصبحا وجها لوجه حتى بادره مستفسراً:

·       ألم تحضر الفتاة؟

ورد عمر:

-       بل حضرت.. وحسب الأوصاف التي ذكرتها لي.. كانت ترتدي قميصاً أبيض منقوشاً بصورة تلمع لوجه نمر .. وبنطال جينز أزرق.. وقد أوقفت سيارتها "البيجو" الحمراء على جانب المحطة.. وكلّمتها.. وردت عليّ بلغة عربية سليمة.. وطلبت مني أن أركب معها في السيارة .. لكن ما أن وضعت يدي على مقبض الباب حتى شعرت بالخوف.. واكتفيت في النهاية بطلب رقم هاتفها كي أتصل بها فيما بعد وأقابلها في مكان أنسب..

·       ولماذا فعلت ذلك؟

ثم تابع وهو يغمز بإحدى عينيه:

·       ألم تكن جميلة؟

ورد عمر:

-       بل أن جمالها لا يقاوم.. وربما كان هذا هو السبب الذي أخافني قبل ان أرفض الركوب معها في السيارة.

وسأله شعبان:

·       كيف؟

ورد عمر:

-       تصوّر ما كان يمكن ان يعتقده عمال المحطة، او أي شخص يراني جالساً وأنا القروي الذي تفضحني هيأتي بجوار فتاة شقراء بكل هذا الجمال في سيارة تحمل لوحات اسرائيلية؟

واستطرد قائلا:

-       نحن في إنتفاضة يا شعبان.. وما أسرع انتشار الفضائح والشبهات في هذه المعمعة.

·       هل تخشى أن تتهم بالعمالة؟

ورد عمر:

- طبعا.. هل أنتظر حتى "يطخوني" او "يشنقوني" علناً في الشارع؟ ومع ذلك فالعملاء لا يظهرون أنفسهم حتى بهذا الشكل.

ورد شعبان:

·       أكيد.. وهم محميون أيضاً.

وفي محاولة لتوجيه دفة الحوار قال عمر:

-       عندما أوقفوني في بداية الانتفاضة طلب مني ضابط مخابرات ان أتعاون معه، لكني رفضت.

ورد شعبان:

·       رفضت؟ ماذا طلب منك؟

-       طلب أشياء لا أستطيع القيام بها.

·       مثل ماذا؟

-        أن أراقب الطلاّب في المدرسة وأقدم له تقارير عنهم.

·       وماذا أيضاً؟

-       فقط، كان هذا كل ما طلبه، وقد عرض المال أيضاً..

·       وما الذي كان يريده منك بالتحديد؟

-       لم أصغ له اصلاً، لكنه قال لي أن كل المطلوب مني ان أكتب له تقريراً عن الطلاب الذين يريد مراقبتهم، ومقابل ذلك يدفع لي مكافأة عن كل تقرير.

وسأله شعبان:

·       ولماذا رفضت؟

ورد عليه عمر:

- أعوذ بالله.. هل تعتقد ان الأمر مزحة؟ ثم كيف تسألني عن ذلك وأنت تعرف ما الذي يفعله الملثمون بمن تنكشف عمالتهم لاسرائيل؟

ورد شعبان:

·       بصراحة، كنت أريد ان أعرف كيف ولماذا يقوم اليهود بتجنيد العملاء، ولماذا يقبل البعض او يرفض التعاون معهم.

ورد عمر مجارياً شعبان لدفعه خطوة أخرى نحو ما يريد فعلاً أن يوصله اليه:

-       بصراحة، كان المبلغ الذي عرضه عليّ مغر.. وأي شاب في مكاني يومها ربما كان ليقبل على الفور، فقد زاغ بصري أمام الفلوس التي رفضت إستلامها، لكني خشيت ان قبلت ان ينكشف أمري ثم أعدم. فما فائدة الفلوس حينها؟

ورد شعبان:

·       صحيح، ولكن ماذا لو لم ينكشف الأمر مثلما هو الحال مع الكثيرين؟ هل كنت تقبل؟

عندها أدرك عمر أن شعبان قد بدأ يقدم له الطعم .. وقد حان وقت تمهيد الطريق له لذلك، فقال مستثيراً إياه قبل ان يقرر تعليقه عند تلك النقطة:

-       ما الذي جرّنا الى هذا الموضوع؟ انت تعرف باني كنت مع التنظيم.. ولا شك أنهم كانوا سيعرفون.. هل كانوا سيتركوني وشأني؟

·       ولكنك لست في التنظيم الآن، وقد فعلوا بك ما فعلوا.

ورد عمر:

-       ولو .. إن كان فارس و"شلته" سيئون.. فانا لن أكون سيئا مثلهم.. وسوف يكتشفون يوما ما انهم اخطأوا كثيرا بحقي.

وقبل أن يغادر عائداً الى بيته سأله شعبان:

-       وماذا عن الفتاة؟

ورد عمر وهو يبتسم:

- إنس أمرها.. لقد ضحكت عليها بطلب رقم التلفون.. لكني لن أتصل بها ابداً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق